
تحقيق: سعد الدغمان
ظاهرها التسلية، وباطنها العزلة، تعمل على تفتيت لحمة المجتمع، فرضت نفسها على الواقع اليومي للشباب،وبات الإدمان عليها يؤشر خطراً مستديماً على مستقبلهم، ألعاب العنف تكنلوجيا متطورة تستحوذ على الأذهان وتؤسر من يتعاطى معها. بدلت قيم العائلة، وغيرت من عادات الكثيرين حتى باتت سيدة الموقف عند العديد من الشباب تستحوذ على عقله ووقته. فرضت العزلة بين أوساط العائلة ، وبات الأولاد في معزل عن اسرهم، جاءت بقيم مغايرة لقيمنا النبيلة، وكرست مفاهيم لاتمت لمجتمعنا بصلة. ألعاب العنف هل تسعى لتغيير القيم وتوظيف مفاهيم وعادات بعيدة عن مجتمعاتنا،هذا ما سنقرأه في الأراء التي استقصيناه في هذا التحقيق الذي التقينا فيه

قيماً تتنافى وتقاليدنا
العقيد الركن عبد الله بن سلمان مدير إدارة الإعلام والعلاقات العامة بالقيادة العامة لشرطة رأس الخيمة يقول: لقد اخذت تلك الألعاب مساحة واسعة من فكر ووقت الجيل الجديد، وبات غالبيتهم متعلقون بها ، ولاسبيل للإفلات من تبعاتها النفسية والجسدية وحتى الاجتماعية ذات التأثير المباشر على المجتمع. الخطورة التي تحملها تلك الألعاب تكمن في ترسيخ أسس تتنافى وتقاليد مجتمعاتنا المسالمة المحافظة التي تربت على الفضيلة والاحترام والسلوك السوي، والصدمة التي تحدث هنا إن تلك الألعاب ترسخ قيماً مخالفة تتعارض وما يتلقاه الشباب والأولاد في الأسر التي نشؤوا فيها، وهذا التناقض الحاصل أو التضارب في القيم يخلق فجوة لدى الشباب ترهق عقولهم بمقارنة الالتزام بالقيم، والسعي وراء ما هو مستحدث من قيم تعتبر عالمية اليوم في هذا العالم الافتراضي الذي نعيشه. أنه عملية تغريب للأجيال لابد أن يقف عندها المعنيون من التربويين وعلماء الاجتماع والمختصين بعلم النفس للخروج بصيغ تمنع انصياع أبنائنا نحو المجهول الذي تأخذهم إليه تلك الألعاب بما تتضمنه من عنف قد ينعكس سلباً على المجتمع.
لم تعد قاصرة على الشباب
ويذكر العقيد الركن جاسم محمد علي اشتيري نائب مدير إدارة العمليات : إن هذا الموضوع من الأهمية بمكان أهله ليحتل الصدارة اليوم على طاولة النقاشن، ويعد من أهم المواضيع التي تأخذ اهتمام واسع وحيز كبير في المجتمع وعلى مستوى العالم. لقد كانت بداية ألعاب الفيديو الإلكترونية بسيطة مع رسومات بدائية بالمقارنة مع ألعاب اليوم المعقدة والمميزة من حيث الصور المتنوعة العالية الجودة والأنماط الممتعة والحماسية، ومع مرور الوقت تحولت من مجرد ألعاب للتسلية إلى إدمان يؤدي إلى العديد من الجوانب السلبية منها توليد العنف فضلا عن الإدمان على هذه الألعاب. في الماضي، كانت الألعاب الإلكترونية متاحة بمعظمها على الأجهزة فقط أي دون إمكانية الوصول إليها على مدار الساعة كما هو حاصل اليوم، و كانت بسيطة ومحدودة من حيث الشكل والمضمون. أما اليوم فقد باتت متاحة ليلاًو نهاراً، ومتوفرة على الهواتف الذكية، أجهزة الكمبيوتر الشخصية وأجهزة الألعاب المحمولة. وأصبحت أكثر تعقيداً وتفصيلاً مع عوالم غنية وشخصيات متنوعة، وأكثر شيوعاً في مواقع التواصل الاجتماعي. وهذه الألعاب غير قاصرة على الشباب فقط ، بل تعدت إلى فئات مجتمعية أخرى. وقد باتت تمثل سلوك العزلة لدى الأفراد، كما فرضت العزلة على الأولاد داخل الأسرة الواحدة، إنها تمثل قيماً لاتمت لمجتمعاتنا بصلة، وتفرض قيما مغايرة تترسخ في أذهان شبابنا ، وهنا الطامة التي لابد وأن نضع الحلول لها. وقد تم تصنيف مشكلة إدمان الألعاب الإلكترونية مؤخرًا كمرض من قبل منظمة الصحة العالمية. يولد مخاطر عدة منها :
- مشاكل صحية
- مشاكل في الدراسة وقلة التركيز في المذاكرة
- التعرض لقيم خاطئة
- يجعلهم منفصلين اجتماعيا
-السلوك العدواني
وهو موضوع نقاشنا على هذه الصفحات، حيث يمكن أن يؤدي المحتوى العنيف في ألعاب الفيديو إلى جعل الأطفال غير صبورين وعدوانيين في سلوكهم عندما تفشل الأشياء في أن تسير كما هو مخطط لها أو يتم وضع أي قيود عليها ، فقد تنتقد أو تبدأ في إيواء الأفكار العدوانية التي يمكن أن تظهر في سلوك مزعج للآخرين. ولغرض تصور حل لتلك المشكلة نضع بعض التوصيات التي قد تعالج المشكلة من وجهة نظري ومنها: -ضرورة قيام الجهات المعنية بنشر الثقافة تجاه المجتمع عن مخاطر ألعاب العنف. -أن يتم تصنيف الألعاب على غرار تصنيف الأفلام في دور السينما. -إطلاق حملات التوعية بالتعاون مع المؤسسات الإعلامية تجاه المخاطر ألعاب العنف.
باتت مشكلة وليست ظاهرة
النقيب سيف محمد بن سيف مركز الدعم الاجتماعي بالقيادة العامة لشرطة رأس الخيمة يقول: صعوبة تلك الألعاب تكمن في سلبها لعقول الشباب بما تعرضه من تقنيات حديثة تسيطر على مخيلاتهم بألوان زاهية ، وحركة سريعة، وما تطرحه من استحواذ على الأفكار أو العقل بصورة عامة عبر ما يستخدمه اللاعب من أسلحة متنوعة، وبطبيعة الشباب يميلون لحب استخدام السلاح الذي يمثل حيز القوة في تفكيرهم. ذلك أن غالبية الجيل الجديد متأثر بشخصيات أجنبية مقاتلة،تم ترسيخ صورتها في مخيلة الأجيال بأنها لاتهزم ولاتقاوم، ومن هنا عملية ( التأثر والتأثير) ، طالما أني قادر على التحكم بنموذج تلك الشخصية أمامي على الشاشة( تقمص ) فلأذهب إلى أبعد مايكون مع من يواجهني على طرف اللعبة الأخر، فهي ألعاب جماعية في بعض الأحيان يجتمع فيها الشباب من مختلف بلدان العالم وينقل كل منهم للأخر قيمه ومبادئه، وهنا تكمن خطورة تلك التجمعات. لابد من حلول بديلة تجعل شبابنا يهملون تلك الألعاب ولايعيروها أهمية، مثلا خلق بدائل خاصة بنا، شخصيات من موروثنا العربي أو الخليجي ، يحمل قيمنا وعاداتنا، تشكل منهم ألعاب تحاكي تلك المطروحة وتستحوذ على مكانتها في عقول وقلوب الشباب، لكن بنفس الجودة ونفس التقنيات كي نجذب اللاعبين لها بنفس مستوى الألعاب الأجنبية.

تزيد من سلوك العنف
ويرى د.عادل عبدالجواد محمد الكردوسي خبير بوزارة تنمية المجتمع بدولة الإمارات إن القرن الواحد والعشرين قد شهد ثورة في مجال التقنية الحديثة وانتشار الأجهزة الإلكترونية، فأصبحت تٌستخدم في جميع مجالات الحياة، فزاد عدد محلات بيع الألعاب الإلكترونية وانتشار بعض هذه الألعاب "روبلوكس، فورت نايت، البيجي، ...إلخ" والتي تستقطب الأطفال والشباب بل شملت جميع فئات المجتمع، وزاد تأثيرها في ظل انتشار الأجهزة الإلكترونية "اللاب توب، التليفون المحمول" بين أفراد المجتمع وبخاصة صغار السن. فأصبحت الألعاب الإلكترونية هواية تجذب إليها الجميع برسومها وألوانها ومغامراتها والخيال الذي تتضمنه، وتعلق بها الأطفال والشباب، وعلى الرغم من أهمية اللعب لهذه الفئات وأنها تجلب المتعة النفسية لهم، وبالرغم من الكثير من الإيجابيات لهذه الألعاب إلا أن اللعب المتواصل لأوقات طويلة لإشباع ميولهم أصبح له أثره السلبي عليهم. ومن المتعارف عليه علمياً أن الخبرات والمهارات والصفات مكتسبة من خلال تعلمها من جيل إلى جيل، لذلك أصبحت الألعاب الإلكترونية تمثل مصدر لنقل المعارف والتعلم، ومع انتشار هذه الألعاب بين الأطفال والشباب، وأن هذه الألعاب غريبة عن المجتمع العربي وتشتمل على محتوى ومضمون معرفي غريب عن الواقع الاجتماعي والثقافي والقيمي لمجتمعاتنا، فهي ليست تسلية بريئة بل محكومة بالمنظومة القيمية لمنتجها، فوظيفتها الظاهرة التسلية ووظيفتها المستترة نشر ثقافة منتجها وربما الترويج للعنف وعدم الالتزام الأخلاقي. ومن خلال وجود مظاهر العنف في الألعاب الإلكترونية التي تميل إلى السلوك العنيف والصراع بين فريقين أو بين لاعبين، بما يؤدي إلى أن عقلية المشاهد تعتقد أن الواقع والحياة حلبة صراع فيبتعد عن الحوار والتفاهم والتعاون والتكامل، وأن بعض الألعاب معدة بطريقة اللعب الفردي فيكتسب الشخص العزلة. وقد تؤدي هذه الألعاب إلى ارتكاب الشخص للسلوك العنيف نتيجة فكرة التقليد التي يكتسبها من مشاهد العنف الإلكتروني، فالعنف سلوك متعلم يتدعم لدى الشخص كلما مارس المزيد من العنف بهذا الفعل، وقد يكون العنف مادي أو بدني أو لفظي.
ألعاب العنف سلوك عدواني
وتذكر الدكتورة أماني الصباغ من أكاديمية العلوم الشرطية الشارقة: يقضي الأطفال والمراهقون اليوم معظم أوقاتهم في ممارسة ألعاب الفيديو التي تحتوي على عنف واستخدام الأسلحة والمتفجرات والضرب والتجريح. وفي المتوسط ، يقضي الأطفال حوالي أربعين ساعة في الأسبوع في مشاهدة التلفزيون، وألعاب الفيديو. و في الواقع من الصعب العثور على لعبة فيديو خالية من العنف ، حيث أن 89 ٪ من ألعاب الفيديو تحتوي على عنف. ومع هذه المستويات العالية من التعرض للمحتوى العنيف في الألعاب، فإن ذلك يكون له تأثيرات سلبية على الأطفال والمجتمع، وتتسبب الألعاب العنيفة بشكل مباشر في أن يتصرف اللاعبون بشكل أكثر عدوانية، بالإضافة إلى السلوكيات العدوانية المتزايدة التي يطبقوها في المدارس والمنازل والتجمعات، وبعض الأطفال يحاولون تمثيل بعض الحركات الخطره التي يشاهدوها في هذه الألعاب، مما قد يتسبب في اذيتهم وتعرضهم لمشاكل صحية ونفسية وإجتماعية، وبعض الأطفال ينتهي بهم الأمر إلى الإنتحار مما يجعل الفوضى تسود المجتمع. وهنا يجب أن نراقب أولادنا في تصرفاتهم ونمنعهم مما يتسبب في أذيتهم وتعرضهم للمخاطر، مثل منعهم من ألعاب الفيديو التي تحتوي على عنف واستخدام القوة والأسلحة النارية والمتفجرات وغيرها.
خلق بدائل وطنية
ويقول الأستاذ الصحفي عدنان عُكاشة مدير مكتب جريدة الخليج برأس الخيمة: هذه الألعاب واسعة الانتشار هي خطر مُحدق، وفق أغلب الآراء وأكثرها انتشارا، منذ سنوات طويلة مضت، يتحتم علينا الحذر منها والتوعية بوجوه خُطورتها على كل حال، لكن بعيدا عن التضخيم والارتجال والعشوائية في مواجهتها، ودون منع كلي وإقصاء تام لرغبات ومُيول الشباب والصغار، بل إحالة القضية للدراسة العلمية، على أيدي متخصصين للبت في مدى خُطورتها وأبعادها وتأثيراتها السلبية، ووضع الحلول الناجعة والبدائل، نعم البدائل المُناسبة، لأن سياسة المنع المُطلق والإقصاء الكلي هي علاج مُشوه وحلول قاصرة، غير ناجعة، للمشاكل المُجتمعية والشخصية، يجب دائما خلق البدائل وإتاحة متنفس بديل عن كل محظور وممنوع.ذلك أن مخاطر بعض تلك الألعاب لا تقتصر على تعزيز "ثقافة العُنف"، إذ تضرب بخُبث وسُفور مُطلق قيمنا وثوابتنا ورُموزنا الدينية والحضارية والثقافية والتراثية والوطنية.