
فكرة السيطرة والاستحواذ ليست بالجديدة، وهي التي تنمي شعور( التنمر) تجاه الأخرين، سواء في الحياة الطبيعية أو حتى في (العالم الافتراضي) كما يطلق عليه في التعبير الرقمي أو التكنلوجي الحديث.
فقد أحدثت الثورة الصناعية تغييراً جذرياً في معالم الحياة التي نعيشها، وتركت آثاراً ليس بالقليلة على سلوكياتنا وحتى تصرفاتنا فيما شهدناه من تغييرات، ومن بين تلك السلوكيات التي طغت على تصرفات البعض، وأقصد البعض هنا شريحة واسعة من جمهور تلك الوسائل الذين يتواجدون ،أو لهم صفحات على برامج مختلفة تحتويها الأجهزة الرقمية المستخدمة حالياً من ( هواتف وألواح رقمية وكمبيوتر) وربما غيرها.
ما أن تبدي رأيك في قضية معينة حتى يتبارى لك العديد من الأشخاص بالهجوم والطعن واللعن والسباب والشتائم ،لا لشيء إلا أنك خالفتهم الرأي ، والقاعدة الاجتماعية والعلمية تقول ( اختلاف الرأي لايفسد للود قضية) فما بال هؤلاء وغيرهم إن أختلفنا معهم بالرأي. هذا هو( التنمر) بأبسط صوره، لكن هل من عقوبة لهؤلاء المتنمرين على الناس، وهل باتت تلك التصرفات سلوكاً مقبولاً في المجتمع دون أن يطالب بتحييدها أو اجتثاثها والحد من آثارها ومعالجة مخلفاتها، هل هناك قوانين رادعة لهؤلاء، هل يعتبر التنمر جريمة إلكترونية وفقاً للقانون. هذا ما سنسلط عليه الضوء في هذا التحقيق من خلال أراء مختلفة عن التنمر الإلكتروني.
لابد من رادع يتمثل بالقانون

المقدم خالد حسن النقبي رئيس قسم الشؤون الإعلامية بإدارة الإعلام والعلاقات العامة بشرطة رأس الخيمة يقول: نعيش اليوم في ظل التطورات التكنلوجية التي باتت تسيطر على كل مفاصل الحياة ومنها وسائل التخاطب أو مايسمى ( وسائل التواصل) ،ومن هذه تتفرع مواقع وبرامج للحوار والنقاش والألعاب وغيرها يؤمها العديد من الأشخاص من مختلف التوجهات يتبنون أراء ومعتقدات مختلفة، ومن بين هؤلاء المريض النفسي والمجرم وشرائح أخرى من الناس ومن ضمنها الأطفال طبعاً، دون أن يكون هناك محاذير على المشاركة فيها وتبادل الرأي أوالنقاش فيما يدور على صفحاتها من تناول للمواضيع الحياتية بمختلف اشكالها.
توفر تلك المواقع والصفحات (حرية الحركة والتنقل الافتراضي بينها، وحرية إبداء الرأي بصورة لاتحدها حدود)، تلك الميزة قد تستغل جزئياً أو كلياً من قبل أشخاص غير ملتزمين بضوابط أخلاقية أو أعراف أو حتى تقاليد، ناهيك عن أختلاف الثقافات وقواعد التربية فيما بين الشعوب، فما هو مقبول عندنا كمجتمعات ( محافظة)، قد يكون مرفوض أو غير ملزم في مجتمعات أخرى.
ومن ذلك نرى أن هناك من يسعى لفرض رأيه على المشاركين في تلك الحوارات لإبعاد تأثير الآخرين، وتسليط الضوء على فكره فقط،هذا ما يسمى ب(التنمر) وقد يصل هذا التصرف حد إلزام البعض عبر التهديد والوعيد بإرتكاب مخالفات سلوكية أو جرمية بحق أخرين أو بحق المجتمع والوطن ، ويدخل توصيف تلك التصرفات المسيئة ضمن العقوبات التي يفرضها القانون بكل تأكيد.
تحدث تلك الحالات ربما عن طريق الإغراء سواء المادي أو غيره بحيث يستدرج الكثير من الشباب عبر وسائل لا أخلاقية ومن ثم يتم استغلالهم حتى ضد مجتمعاتهم، فالمسألة خطيرة وتحتاج لعلاج جذري آني وسريع ، نضمن من خلاله الحفاظ على أبنائنا،كما نحافظ على الوطن وأهله والقيم النبيلة التي سادت وتوارثت عبر الأجيال. لابد من رادع متمثل بالقانون ليحد من تأثير تلك الظواهر التي قد تسود فتخرب العقول والممارسات المجتمعية.
خطوات أستباقية

فيما يقول المقدم راشد سعيد بلهون رئيس قسم الشرطة المجتمعية بإدارة حماية ووقاية المجتمع بالقيادة العامة لشرطة رأس الخيمة منذ ظهور الإنترنت والإنتشار الواسع لاستخدام وسائط التواصل الاجتماعي بين جميع فئات المجتمع ، أدركت دولة الإمارات ضرورة الإسراع في وضع خطة وقائية واتخاذ خطوات أستباقية للحد من مخاطرها المحتملة على شريحة الأطفال تحديداً ، ويُعرف التنمر الإلكتروني بأنه أي إساءة أو خطر محتمل يتعرض له الأشخاص من تهديد أوغيره ، ويشمل الألعاب الإلكترونية أيضاً ، والاستخدام الخاطئ للشبكة ووسائل التواصل الإجتماعي.
وقد نجحت إدارة حماية ووقاية المجتمع بالقيادة العامة لشرطة رأس الخيمة في بناء منظومة متكاملة لتحصين وحماية الأطفال في فضاء العالم الرقمي عبر مجموعة من المبادرات والإجراءات الاستباقية التي جسدت إلتزامها الثابت بحماية أجيال المستقبل من جميع التأثيرات السلبية والمخاطر المحتملة نتيجة استخدامهم المتزايد للإنترنت ، عبر تنظيم برنامج توعوي يشتمل على (محاضرات وورش عمل توعوية) لكافة فئات المجتمع عموماً والأطفال تحديداً لتعريفهم بأسس استخدام الإنترنت وكيفية التصرف مع أي إساءة أو خطر محتمل عبر تدريبهم على الاستخدام الآمن لمواقع الإنترنت وتطبيقات التواصل الاجتماعي والأجهزة الذكية، وتمكين الأطفال من أفضل الممارسات العالمية في هذا المجال وتعريف الآباء والمعلمين بآليات تعزيز السلامة الرقمية للأطفال في المنازل والمجتمع المدرسي.
نسعى من خلال برامج التوعية التي تسهم بشكل كبير ورئيسي في تخفيض حالات الجرائم عموماً والتنمر الإلكتروني خاصة ،للحد من استغلال الأطفال وبقية شرائح المجتمع عبر الإنترنت وتقديم المجرمين للعدالة ،وذلك لتعزيز حماية المجتمعات لاسيما الأطفال منهم من جرائم الإبتزاز عبر العالم الرقمي ومخاطر الشبكة العنكبوتية.
تدخل ضمن بنود قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية

ويقول الرائد سيف سلطان بوليلة رئيس قسم مكافحة الجرائم الإلكترونية بالقيادة العامة لشرطة رأس الخيمة تتنوع أشكال التنمر الإلكتروني وانواعه ،فهو لايأتي على صفة واحدة أو نوع بل له أنواع متعددة تختلف باختلاف الوسائل المستخدمة من قبل الشخص (المتنمر) وما يتناسب وأهدافه ، وتتمثل أبرز أنواع التنمر الإلكتروني بالتشهير حيث يتم نشر معلومات أو صور محرجة أو مهينة عن الضحية، وربما يكون عن طريق التهديد والمضايقة وتتم عن طريق ارسال تهديدات أو تعليقات مسيئة وبشكل متكرر،كما يدخل الإبتزاز كنوع من أنواع (التنمر) وعن طريقه يتم استخدام معلومات أو صور حساسة لإجبار الأشخاص المعنيين على القيام بأفعال معينة، ومن ضمن أنواع التنمر أيضا التقليد والسخرية وذلك يتم عن طريق إنشاء حسابات مزيفة أو نشر محتويات ساخرة تهدف الإضرار بسمعة الشخص، وربما أيضا يكون التنمر من خلال ممارسة العزل الاجتماعي وفيه يحاول المتنمر عزل الشخص عن مجموعته الاجتماعية عبر نشر الشائعات أو الأكاذيب التي تسيء لسمعته.
وتشكل الغيرة والكراهية تجاه الضحية السبب الأبرز للتنمر، فيما يأتي موضوع ضعف التربية وعدم التمسك بالقيم الأخلاقية كسبب رئيسي لذلك السلوك، وفي بعض الأحيان يبرز موضوع البحث عن الاهتمام أو مسألة إظهار القوة وراء ممارسة التنمر،فيما تحدث بعض الحالات تحت ظل ضغوط نفسية أو اجتماعية يمر بها المتنمر،كما ويشكل ضعف الرقابة الأسرية والقانونية هاجسا لمارسة ذلك السلوك المشين ،أو للحصول على الأموال في بعض الحالات التي تتصف بالتنمر.وتفرض معظم دول العالم ومنها دولة الإمارات العربية المتحدة عقوبات صارمة على ممارسي التنمر الإلكتروني وفقاً لقانون الجرائم الإلكترونية التي تخضع لها تلك التصرفات المسيئة.
حيث يفرض القانون الإماراتي الاتحادي رقم ( 34 ) لسنة 2021،والقانون الاتحادي رقم (5 ) لسنة 2024 والمتعلق بشأن مكافحة الجرائم الإلكترونية عقوبة السجن والغرامة المالية على كل من يمارس التنمر أو من يقوم بالإساءة عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.
وبشكل مؤكد أن ممارسة هذه الأفعال ( التنمر) تتم عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي المعروفة ( فيسبوك،انستغرام، تويتر وغيرها)، بالإضافة إلى تطبيقات المراسلة الفورية (واتساب،تليغرام)،والتعليقات المباشرة على المنشورات العامة والخاصة،كما يتم ممارسة التنمر أيضا عن طريق أنشاء مواقع واسماء وهمية للتهديد أو أرسال رسائل وهمية أو نشر الصور والفيديوهات، ناهيك عن الألعاب الإلكترونية التي يتم ممارسة التنمر من خلالها عبر مايعرف بغرف الدردشة التي تحتويها هذه الألعاب.
وكجهة اختصاص تردنا بلاغات وبشكل مستمر عن حالات التنمر الإلكتروني وخاصة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وكثرة استخدامها،وتشتمل البلاغات على قضايا تتعلق بالتشهير والإبتزاز والتهديد،ويتم التعامل مع هذه القضايا بحزم من خلال تتبع المتنمرين بالتنسيق مع الجهات المختصة مثل الهيئات التنظيمية ومنصات التواصل الاجتماعي.
الإمارات سباقة لوضع قوانين تحد من هذه الجرائم

فيما يذكر المستشار القانوني حسن المرزوقي من رأس الخيمة أن التنمر ظاهرة خطيرة أنتشرت في الآونة الأخيرة وهي تمثل مشكلة اجتماعية وإجرامية في ذات الوقت، وباتت منتشرة في كافة المجتمعات ،وكل دول العالم تعاني من انتشار التنمر، وهو سلوك منتشر منذ قديم الأزل، ولكن لم تعرف المجتمعات مسمى (التنمر) إلا في الآونة الأخيرة.
والتنمر عبارة عن سلوك عدواني سواء كان سلوك متكرر أو غير متكرر، وسواء كان جسدي أو لفظي، ويصدر من شخص أو مجموعة أشخاص، تجاه شخص (الضحية) بهدف إبراز عيوبه بأساليب عدوانية.
وقد انتشر التنمر ما بين الأطفال وفي مرحلة المراهقة بصورة أكبر ، ولكن لا يمنع ذلك من وجود حلات تنمر أخرى صادرة وموجهه من وضد أشخاص بالغين.
والتنمر يمثل ظاهرة سلبية خطيرة على الضحية، ومن الممكن أن يكون له عواقب وخيمة، وقد تؤدي إلى إقدام الضحية (المتنمر عليها) على الانتحار للتخلص من هذا السلوك العدواني. و بهذه الكيفية فقد يترك التنمر عواقب غير محمودة ليس على الأفراد فقط، بل على المجتمعات ككل.
ولعل السبب الرئيسي في انتشار ظاهرة التنمر في الوقت الحالي يتمثل بالتقدم التقني في وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي، والتي سهلت من ارتكاب هذه الأفعال التي قد ترتقي إلى مستوى الجريمة، وقد باتت ظاهرة التنمر تثير قلقاً بالغاً في أوساط المجتمعات كافة وجريمة توضع لها عقوبات قاسية.
وكالعادة كانت دولة الإمارات سباقة في وضع القوانين الصارمة التي تعمل على الحد من انتشار هذه الجريمة، حفاظاً على أفراد المجتمع داخل الدولة.
وقد سبق وأن أصدرت الدولة، القانون الاتحادي رقم 3 لسنة 2016 بشأن حقوق الطفل (قانون وديمة)، والذي أكد على حق الأطفال في حياه مستقرة وهادئة وعدم التنمر عليهم بأي شكل من الأشكال، وحمايتهم من التنمر سواء البدني أو النفسي.
حيث تطبق عقوبة الحبس أو الغرامة، أو كلاهما لكل من يرتكب أي سلوك يمثل تنمر على لأطفال أو النيل منهم جسدياً أو عاطفياً.
وكذلك أصدرت دولة الإمارات قانون خاص بشأن التنمر الإلكتروني والتشهير والمعلومات الخاطئة. وهو القانون بمرسوم اتحادي رقم 34 لعام 2021. والذي اشتمل على عقوبات قاسية. حيث يعاقب بالحبس لمدة لا تقل عن ستة أشهر وغرامة تصل إلى 500 ألف درهم أو كلتا العقوبتين لكل من استخدم شبكة معلوماتية أو نظام معلومات إلكتروني أو إحدى وسائل تقنية المعلومات في الاعتداء على خصوصية شخص أونشر أخباراً أو صوراً إلكترونية كانت أو فوتوغرافية أو مشاهد أو تعليقات أو بيانات أو معلومات ولو كانت صحيحة وحقيقية.
وفي االختام لابد من التوعية بمخاطر تلك الجريمة، التي قد يعتبرها البعض نوع من أنواع الحرية، وإبداء الرأي، لكنها تمثل جريمة كما سبق وأن تم بيانه، تضع مرتكبيها تحت طائلة القانون. ومن جانبنا نشكر حكومتنا الرشيدة التي تسعى بكافة السبل للوصول إلى مجتع آمن ومتعايش في سلم وسلام.